هذا ليس قبراً… هذا أغنية من المرمر!
هكذا عبر عنه نهرو .. ولقد صدق في قوله.. إنه ليس قبراً أو ضريحا أو قصراً.. إنه رمز.. رمزُ للحب والوفاء.. ولكن ما قصة هذا الصرح العملاق؟؟..
تاج محل أو (ताज महल) كما يكتبه سكان الهند .. يعد أحد عجائب الدنيا السبع الحديثة، وجوهرة العمارة الإسلامية، فقد تأثر “شاه جاهان” عندما بناه تأثراً شديداً بالحضارة الإسلامية التي كانت ذات تأثير كبير على شبه القارة الهندية وعلى كل الحضارة الإنسانية في ذلك الوقت.. لذلك نجده مزداناً بالنقوش الإسلامية والآيات القرانية.. ويعتبر تاج محل من أجمل المباني الإسلامية في الهند من حيث الروعة والزخرفة والتصميم الهندسي.. بل لعلي أعتبره الأجمل على الإطلاق.. وهو مبنى عملاق يشرف على مدينة أكرا شمال غرب الهند، التي كانت عاصمة سلاطين المغول المسلمين في القرن الثالث عشر وهو زمن بناء تاج محل..

كان امبراطور الهند “شاه جاهان” الملقب بـ “شاهنشاه العادل” أو “الإمبراطور العادل” متزوجاً من “أرجونمد بانو باكام” سليلة الأشراف فهي حفيدة “ميرزا غياث بيك” رئيس وزراء الإمبراطور المغولي الرابع “جيهانجير”، وابنة “خواجة أبو الحسن” الذي كان يعرف في بلاط “جيهانجير” بلقب “يامن الدولة عاصف خان” رجل ذو طلعة مهيبة ويحظى باحترام كبير..
كانت “أرجونمد بانو باكام” شديدة الذكاء.. باهرة الجمال كما ترسمها لوحات عصرها. وكانت تأنس للموسيقي وتقرض الشعر بالفارسية..
وكان “شاه جاهان” يهيم بها حباً وقد أحيط زواجه بها بعدد من المشكلات.. إذ أنه لم يكن شائعاً في ذلك الوقت زواج الملوك بدافع الحب.. بل كان السبب الأساس هو المصالح المشتركة للدول.. وبالفعل فقد كان “شاه جاهان” متزوجاً قبل “أرجونمد بانو باكام”.. ولكن ولأنه من المسلمين فدينه يتيح له فرصة الزواج بأخرى.. لذا وبعد عدة سنوات من الانتظار ظفر “شاه جاهان” بحلمه بالزواج بـ”أرجونمد بانو باكام” التي تغير اسمها بعد الزواج ليصير “ممتاز محل” أي مختارة القصر.. كزوجة ثانية أمام العامة.. لكنها كانت السيدة الأولى التي سكنت قلبه وظلت فيه إلى الأبد حتى بعد وفاتها.. حيث خرجت “ممتاز محل” مع “شاه جاهان” في إحدى حملاته، ـ حيث كانت ترافقه إلى كل مكان ـ وهي حامل بطفلهما الرابع عشر وماتت في ربيع 1631 وهي تضع وليدها وكانت بنتاً سميت “جوهرة بيجام”..
أصيب الإمبراطور المغولي “شاه جيهان” بالحزن الشديد بعد وفاة زوجته المحببة وقبل أن تلفظ “ممتاز محل” أنفاسها الأخيرة، طلبت من شاه جيهان أن يبني لها ضريحًا أجمل من أي ضريح آخر على وجه الأرض. حقق شاه جيهان أمنية زوجته، فبدأ بناء الضريح في عام 1632 ـ أي بعد وفاتها بعام واحد. وتعرض مذكرات شاه جيهان التي تكشف عن مدى حزنه قصة الحب التي ألهمت المهندسين عند وضع التصميم المعماري لضريح تاج محل.. تم الانتهاء من بناء الضريح نفسه في عام 1648، أما بقية المباني والحديقة المجاورة فتم الانتهاء منها بعد ذلك بخمس سنوات.. وقد وصف الإمبراطور شاه جاهان نفسه هذا الضريح بقوله:
“إذا لجأ إلى هذا المكان شخص مثقل بالذنوب، فسيتطهر من ذنوبه، كالمغفورة له خطاياه. وإذا لجأ الآثم إلى هذا القصر، فستنمحي جميع خطاياه السابقة. إن النظر إلى هذا القصر يترك بين حنايا القلب شعورًا بالحزن. لقد شُيد هذا البناء في هذا العالم ليعرض جلال الخالق وقدرته”..
يعتقد أن المعلم “عيسى أفندي” من تركيا كان هو المسئول عن تصميم المبنى. أما “محمد خان” من شيراز و”عبد الغفار” من مولتان فكانا خطاطي المشروع. بينما كان المسئول عن النواحي الفنية والتصميم الداخلي هو “قادر زمان خان” من الجزيرة العربية..
يقع تاج محل وسط ساحة وحديقة واسعة جداً ولهذه الحديقة أرصفة مبلطة بحجارة المرمر، تتصالب فيها القنوات المائية التي تجلب إليها المياه من النهر بواسطة شبكة معقدة من الخزانات والأنابيب الممتدة تحت سطح الأرض وتغذي أيضاً نوافير المياه، وفي الساحة بركة ماء طويلة تعكس صورة هذا الضريح، وجدران المعبد مغطاة بصفائح من أحجار المرمر القاسية..
والمظهر الخارجي لتاج محل يشبه الجوهرة لأن شاه جهان كان يحب الحجارة الكريمة ويحب أن يضع بنفسه تصاميم مجوهراته فعمل على تزيين واجهات البناء برسوم ونماذج الأزهار مستعملاً حجارة تشبه الحجارة الكريمة كالحجارة البلورية وحجر اللازورد وهو حجر كريم سماوي الزرقة. والتزيين برسوم الأزهار الجميلة هو تقليد إسلامي ورمز لممكلة السماء كما زينت بعض الأماكن الخارجية بآيات قرآنية منقوشة ومكتوبة بخط جميل..
يرتكز بناء تاج محل بصفة أساسية على المقبرة نفسها التي ترتكز قبتها الرخامية البيضاء على منصة مربعة. يتكون تاج محل من عدد من المباني المتناسقة فيما بينها، بالإضافة إلى إيوان (وهو عبارة عن مدخل مقوس الشكل) تعلوه قبة ضخمة مزخرفة. ومثل بقية الأضرحة المغولية، فإن العناصر الفنية الأساسية تعود إلى أصول فارسية..

أضف تعليقك

لاتقرأ وترحل ..
بل ضع لك بصمة ابو عشرة في المكان قبيل الرحيل ..